عندما تشاهد عنف الأبناء تجاه أمهاتهن في السينما، تشمئز من خيال الكاتب ، وقد تري ذلك في الواقع وتتعجب من الدنيا التي انقطع خيرها عن الناس لدرجة أن الابن يضرب أمه ، وقد تلقي باللوم على طبيعة العشوائيات وانعدام القيم داخلها لذلك فمن الممكن أن يضرب الابن أمه هناك ولا مانع من زنا المحارم .
ولكن ثق عزيزي القارئ أنك قد تصاب بنوبة بكاء تستمر معك حتى نهاية اليوم إذا استمعت إلى " أ . ع " وهي تحكي حكايتها مع العذاب على مدار 20 عاماً في بيت ابنها، حتى انتهى بها المطاف لتجلس وهي بالغة من العمر 71 عاماً في دار إيواء للنساء المعنفات بالإسكندرية . " لـهــــن " قام بزيارة لدار المعنفات التابعة لمركز حماية المرأة والطفل بالأسكندرية ، وذلك خلال مشاركة "لهــن" بورشة عمل حول العنف ضد المرأة برعاية مركز بحوث ودراسات المرأة بكلية الإعلام ومؤسسة فريدرش ايبرت .
تنتمي " أ . ع " إلى أسرة جيدة بمدينة الزقازيق ، فوالدها كان أزهري مدرس دين، وجميع أفراد أسرتها متيسري الحال فخالها مثلا قضبان بحري بالأسكندرية ، ولسوء حظها لم تكمل تعليمها وإنما تجيد القراءة الكتابة، وعندما توفى زوجها وعمرها 20 عاماً وجدت نفسها تعيل ولداً وبنتاً، ورفضت مساعدات الجميع حتى تحفظ لأولادها كرامتهم وحياء وجوههم ، فعملت عاملة في المصانع وكدت من أجل تربية الطفلين حتى تضجا وعبرا مرحلة الخطر ، وعندما دق ابن الحلال باب البنت ترك "مجدي" ابن "أ . ع " دراسته العليا ونزل إلى سوق العمل ليساعد أمه في جهاز أخته وكان ذلك ، بعدها قرر التوجه إلى الكويت ليعمل هناك ويزيد من دخل ويدخر حتى يتزوج ويستقر، ورغم بعد المسافات لم يبعد عن أمه يوماً واحداً وكان يتحمل أعباء مكالمة دولية يومياً ليطمئن على أمه .
انقلب حال مجدي رأساً على عقب بعد زواجه بفترة قصير ، وفترة اهتمامه بأمه في بداية زواجه كانت بهدف موافقتها على بيع منزلها زاعماً أنها ستعيش ملكة متوجة داخل شقته الصغيرة فوافقت ، وتعلل سبب موافقتها قائلة : " ذهبت للعيش مع مجدي في شقته عام 1982 ، بعدما أقنعني ببيع بيتي ملكي وأخذ مني ثمنه ولا أعرف فيما أنفقه تحديداً ، ولكني متأكدة أنه أنفقها تلبية لمطالب زوجته التي لا تنتهي هي وأهلها فهو كان يطيعها طاعة عمياء هي وأهلها ، ومنذ أخذ نقودي تغيرت معاملة زوجته لي وتغير حاله رأساً على عقب ، فمنذ وصولي بيته وأنا تحت ضغط وعنف نفسي وإهانات من زوجته ، فكانت قاسية معي لأبعد الحدود لدرجة أن أحفادي ورثوا تلك القسوة ، اعتادت أن تمنع عني الطعام وكل ليلة عندما يعود ابني من عمل يسألني عن يومي أخبره بأنها جيدة المعاملة وأشكر فيها ، ولم أخبره قط بأنها تحرمني من الطعام .. النيران كانت تشتعل بيننا عندما كنت ألتقط الفتات من المطبخ أو الثلاجة لأسد بها جوعي، ما يعتصر قلبي حزناً أن أحفادي كانوا جواسيس ضدي وأول ما يراني أحدهم ألتقط أي فتات يخبرها فتتهمني بالطفاسة على الفور وتضربني دون أي أسباب .. فتبكي وتجهش من البكاء قائلة " حسبي الله ونعم الوكيل" .
وتتابع باكية : " كنت أنحني على يدها لأقبلها وأطلب منها أن تتركني أعيش وسط ابني وأحفادي في سلام ولكن قلبها كان أقسى من الحجر ، الأكثر من ذلك أنها كانت ترسل لأهلها ليضربوني معها فدعوت على أمها التي ضربتني لقلة حيلتي وضعفي استجاب الله على الفور وأصيبت بالسرطان ، دعوت عليها هي نفسها ذات مرة بكسر زراعها الذي تستقوى به علي وتهينني واستجاب الله ، لكنها لم تكتفي بالضرب والإهانة فكانت تشكوني زوراً لابني وتخبره بأنني أضربها وأقلل من كرامتها فتطلب منه دائماً وضع حد لهذه المهزلة ، ورغم ذلك كنت أتحمل لأنني بلا مأوى ، وذات مرة ضربتني وفاض بي الكيل فأخبرت "مجدي" فور عودته من العمل لأفاجأ به ينهال عليّ صفعا وضربا وركلاً تاهماً إياي بأني جعلت الدنيا سوداء في عينيه ، وأنني السبب في عدم استقراره لكثرة مشاكلي ووسط الضرب أسأله هل تضرب أمك يا مجدي يقول لي "لا" ويزداد في الضرب ، حتى طردني من المنزل ولم أجد لي مأوى ، فزوج ابنتي لم يرحب بوجودي وأساء معاملتها هو وأمه عندما أخبرته بأنها تريدني أعيش معها ولم أفكر في طرق باباها ، وتوجهت إلى أقاربي فأغلقوا في وجهي كل أبواب الرحمة لأنني دللت "مجدي" لذلك عليّ تحمل النتيجة وحدي ، فلم باباً مفتوحاً أمامي حتى وجدت دار المعنفات بالصدفة".
وتضيف : لا أحد يعرف أنني هنا وأخجل من أن يعرف أحد بوجودي هنا ، خاصة وأن مستوانا الاجتماعي جيد ، كل ما أتمناه في آخر أيامي أن يكون لدي شقتي الخاصة حتى ولو كانت غرفة واحدة ليخرج منها نعشي بعد موتي، أما ابني فلا أدعو له إلا بالهداية ، ولن أسامح زوجته حتى يوم الدين.
هل من الممكن أن يكون جزاء التربية والمعروف كل هذه القسوة والعقوق ؟